لم يكن مشهد تشبث آلاف الأفغان بالطائرة الأمريكية وهي تغادر مطار كابول وسقوطهم على الأرض، منظرا مألوفا على الإطلاق؛ وكان إحدى أشد اللحظات عارا في تاريخ الغرب الحديث -كما قال معلقون أمريكيون عبر شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات وافتتاحيات الصحف- ليكون أيقونة تذكر العالم المتشدق بالقيم الديمقراطية أن الشعوب التي يختطف قرارها يمكن أن تكون رهينة تشبث بطائرة للحفاظ على حياتها في غفلة من الزمن الجائر.. بالمقابل، فإن المشهد الأفغاني الداخلي لم يتبلور بعد رغم استمرار رسائل الطمأنة من قيادات حركة طالبان للداخل والخارج، وأحدث هذه التصريحات ما جاء على لسان الناطق باسم طالبان أمس، عندما قال إن الحركة لن تسمح لأي أحد أو جهة باستخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمة الآخرين إلى جانب العمل على تحقيق تنمية اقتصادية وإنشاء بنية تحتية والسعي لعلاقات بناءة مع دول الجوار. السؤال المحوري من قادة المرحلة القادمة من داخل الحركة الذين سيديرون دفة الحكم من وراء الكواليس ومن القيادة من الأمام؛ كون القيادات التي ترى أن الانتصار الذي تحقق بعد عقدين من المقاومة المستمرة يجب أن يكون موقعا متقدما في قيادة المرحلة القادمة.. ويؤكد الخبراء أن الحركة لن تتبنى الرؤى السياسية والأفكار الدينية السائدة أوساط ما يُعرف بالإسلام السياسي، فالمرجعية الدينية للحركة، التي تلتزم التزاما حرفيّا بمقررات الدرس الفقهي الحنفي الديوبندي، لن تبتعد كثيرا في الإدارة والحكم والتشريع عن تجربة الحركة السابقة التي توجت بدخول كابول (1996) ومزار الشريف (1997)، قبل انهيارها بعيد الغزو الأمريكي عام 2001، لكن قد يكون الأهم بالنسبة لعموم الأفغان، قدرة الحركة على استيعاب التنوع العرقي، والإدارة المثلى للنظام السياسي الجديد، بما يتماشى مع رؤية الداعمين الإقليميين لها، بعد أن تلاقت مصالحهم معها كاملة اليوم. حركة طالبان التي ظهرت على الساحة قبل 27 عاما تتمتع بتنظيم قوي، فليس عندها هيكل إداري ولا لوائح تنظم شؤونها الداخلية؛ كونها لا تعتبر نفسها حزبا مثل الأحزاب الأخرى، وهيكلها شبه تنظيمي يتمثل بقيادة رئيسية تتمثل في الملا (الحالي هو هيبة الله أخوند زاده)، ويتمتع بصلاحيات واسعة، ويلقب بأمير المؤمنين، وهو القائد الأعلى، وينتخب قائد الحركة أهل الحل والعقد، ولا توجد مدة محددة لتولي منصب أمير المؤمنين، ويتم عزله فقط في حالة العجز أو الموت أو إذا أتى ما يخالف الدين، ويتمتع أمير الحركة بنوع من السيطرة الكاملة ويعتبر التغيير المستمر في المناصب دائما حتى لا تتشكل جيوب داخلية في الحركة أو مراكز قوى، كما أنهم لا يقبلون أفراد الأحزاب الأفغانية الأخرى، خاصة في المناصب الكبيرة ومراكز اتخاذ القرار. ولدى الحركة مجلس شورى مركزي وليس له عدد ثابت وأعضاء معينون، وإن كانت الحركة في بداية تشكيله أعلنت أنه يضم 70 عضوا. ويعد أعضاء الشورى من القيادات المعروفة داخل الحركة أعضاء في هذا المجلس، ولا يوجد أعضاء محددون له. ورغم عدم وجود لوائح داخلية تنظم شؤونها، إلا أن الحركة متماسكة من الداخل، ويرجع ذلك إلى الخلفية الفكرية الموحدة لعناصرها، إذ إن معظمهم تخرج في مدارس دينية واحدة تنتمي إلى المدارس الديوبندية.
٢٠ عاما من الجهد والأموال الضخمة والعلاقات الدولية الأمريكية وتريليونات الدولارات تبخرت في ساعة من نهار والخاسر الكبير من عودة طالبان هو تلك الفكرة التي أُنفق عليها -خلال 20 عاما من الوجود العسكري في أفغانستان- مليارات الدولارات، وهي فكرة أن من الممكن فرض الديمقراطية بمفهومها الغربي بالقوة، وقد تم دفنها مرة أخرى أول أمس عند استيلاء طالبان على كابول. إذن فكل الدول لا تدري ما هي صانعة، والجميع متفاجئ، وأشد المتشائمين لم يكن يتوقع نهاية للعصر الأمريكي بهذا الشكل السريع المتسارع المخزي، ولم تنس الصحف الأمريكية تشبيه الواقع الأفغاني بفيتنام، وبدأ بعض الكتاب والمفكرين الأمريكيين يتحدثون الآن عن تداعيات لحظة كابول على الداخل الأمريكي وعلى مكانة أمريكا الجيو إستراتيجية، تماما كلحظة سايغون في منتصف السبعينيات، وعقدة فيتنام، فبانتظار تداعيات عقدة كابول.
٢٠ عاما من الجهد والأموال الضخمة والعلاقات الدولية الأمريكية وتريليونات الدولارات تبخرت في ساعة من نهار والخاسر الكبير من عودة طالبان هو تلك الفكرة التي أُنفق عليها -خلال 20 عاما من الوجود العسكري في أفغانستان- مليارات الدولارات، وهي فكرة أن من الممكن فرض الديمقراطية بمفهومها الغربي بالقوة، وقد تم دفنها مرة أخرى أول أمس عند استيلاء طالبان على كابول. إذن فكل الدول لا تدري ما هي صانعة، والجميع متفاجئ، وأشد المتشائمين لم يكن يتوقع نهاية للعصر الأمريكي بهذا الشكل السريع المتسارع المخزي، ولم تنس الصحف الأمريكية تشبيه الواقع الأفغاني بفيتنام، وبدأ بعض الكتاب والمفكرين الأمريكيين يتحدثون الآن عن تداعيات لحظة كابول على الداخل الأمريكي وعلى مكانة أمريكا الجيو إستراتيجية، تماما كلحظة سايغون في منتصف السبعينيات، وعقدة فيتنام، فبانتظار تداعيات عقدة كابول.